الحقيقة فوق الخوف
هل سبق ووجدت نفسك أمام قرار صعب من شأنه أن يحوّل كل ما كنت ترتكز عليه وتستمد منه الأمان.
عندما تشعر ببصيص حقيقة بداخلك تعارض كل ما كنت تعرفه أو تعتمد عليه بشكل من الأشكال.
حقيقة تفتح باب المخاوف التي لم تعتقد أن لديك الجرأة على مواجهتها.
حقيقة لا يمكنك تجاهلها بعد الآن لأنك في كل مرة تتجاهلها تقوم بإنكار قدرتك على الارتقاء خارج مخاوفها.
ها هي أمامك الآن تلك المخاوف القديمة وهذه الحقيقة الواضحة المتجسدة بنداء المسؤولية بداخلك، فماذا ستختار؟
هل ستختار الحفاظ على ما هو مألوف فقط لأنك تعرفه واعتدت مستوى الأمان الذي يصاحب ألفته.
أم هل ستختار أن تؤمن بذلك الهيثم الذي تتصوره كل يوم في مخيلتك.
ها هو الكون يمنحك فرصة الارتقاء من قلب العاصفة التي لا مهرب منها. لكي تجعل من إيمانك بنفسك أماناً جديداً لا يهتزّ بضغوطاتك القديمة ولا يجري باحثاً عن أقرب حبل نجاة عند كل هبّة ريح.
وها أنا أسلّم نفسي لفم الحوت لكي يبتلعني مع كل معتقدات الظلّ بداخلي ويعيد ولادتي حراً من جديد.
لقد علمتني الحياة أن القرارات الأكثر توسيعاً وتحقيقاً لي هي القرارت التي ترعش كل ما في داخلي وبنفس الوقت تفرض علي الإيمان بنفسي وبسحر الحياة من حولي.
وعلمتني الحياة أيضاً أنني عندما أمشي خلف الحقيقة بمسؤولية، سرعان ما يتحوّل الجمر تحت أقدامي إلى أنهر تروي وتلهم الحياة من أمامي.
أخذنا وعداً على أنفسنا عندما بدأنا هذه الرحلة أن نجسّد الحقيقة في كل ما نقوم به وأن نكون امتداداً لها حتى في أصعب القرارات، وبناءً على ذلك قررنا أن نؤجل برنامج أعد كتابة قصّتك إلى محطة زمنية أخرى بعد تفكير طويل ونزالٍ شديد مع كل المخاوف التي تصاحب فكرة الاستغناء عن أحد أهم المصادر لدخلنا السنوّي خلال موسم رمضان.
أشعر أنني خلال السنتين الماضيتين كنت أحضّر للوصول إلى هذه النقطة، ليس لتأجيل البرنامج بل للتحرر من ما يرمز له اتكالنا السنوي على موسم البرنامج كأنه الفرصة الوحيدة التي بإمكاننا أن نصنع من خلالها أماناً مستداماً أو الطريقة الوحيدة التي بالإمكان للحياة أن تقابلنا بوسع كرمها.
هكذا أختار أن أخرج من طرقي القديمة لأغيّر مسارات سباق النجاة بداخلي وأستبدلها بمسارات جديدة تؤمن أن الحياة أقرب من ركضي المستمر لالتقاطها.
أنا لا أتكلم عن مجرّد مسارات فكريّة بل مسارات عصبية تربط قدراتي العقلية بحالة أمانٍ عميقة في جسدي، لكي أغيّر طبيعتي الداخلية وأجعل منها بيئة خصبة للازدهار.
يأتي هذا القرار بعد مواجهة طويلة للظل في الأماكن غير المريحة بداخلنا والتي أثمر استشعارنا لها في النهاية بحقيقة أن مولودنا الجديد يستحقّ أباً وأماً حاضرين بشكل تام لاحتياجاته خلال هذه الشهور الأساسية التي ستحدد مرونته العصبية وشعوره العميق داخلياً بالأمان لمدى الحياة، وأن علاقتنا بأنفسنا ومع بعضنا البعض تستحق الترميم بعد محاولاتنا للعمل والإنتاج أثناء اعصار التغيير الذي نمر به، وأننا نستحق أن نسترجع أنفسنا وإلهامنا، وأن مشتركينا يستحقون كل حضورنا وطاقتنا. هنا وجدنا أنه لا مهرب من اختيارنا للمسؤولية حتى عندما ينافي هذا القرار كل ما بنيناه من قبل وعرّفنا به الأمان.
أعلم أن هذه التفاصيل الشخصية قد لا تكون مهمة بالنسبة لك لكني أشاركها معك بتكشّف ليكون باستطاعتك أن تستلهم المسؤولية في تفاصيلك الخاصة والحقائق التي تطرق على باب مخاوفك القديمة. وربما فقط لكي أقول لك أنك تستحق أن تختار نفسك، وأعلم أن هناك أوقات يكون بها اختيار الحفاظ على المألوف لشحن طاقتنا المستنزفة بنفس شجاعة الخروج من المألوف، فقط أنت الذي تعرف ما بداخل صدرك وإلى أين تريد منك التوجه تلك الحقيقة الدفينة.
سأتركك بهذه الكلمات التي أتتني لتكون مرساة لي في هذه الفترة التحولية:
فليكن صوت اليقين بداخلي أعلى من صوت مخاوفي القديمة.
ولتكن حكمة قلبي أقوى من قيودي الخفيّة.
امنحني الشجاعة لأقدم على ما أعرف أنه الحقيقة وألهم بداخلي الإيمان والثبات الذي أحتاجه لأواجه تحدياتي بحكمة وبصيرة.
دمت امتداداً للحقيقة.
هيثم

Mana By Us WLL - Almanama, Bahrain
info@manabyus.com