حالات جهازنا العصبي: كيف نميّز حالتنا ونتعامل معها

في تدوينة اليوم سنتوسع في الشرح عن حالة التأهب والركود وما هي نافذة التحمّل ولما يعد من المهم معرفة كل ذلك خلال رحلتك في طريق التشافي المستدام وتلبية احتياجات جهازك العصبيّ.

نافذة التحمّل: 
هي المنطقة حيث يتم التعامل واستيعاب المشاعر الثقيلة والتوتر بطريقة صحية. حين تمتلك نافذة تحمّل كبيرة فذلك يعني أن لديك قدرة تحمّل ممتازة للتعامل مع الضغوطات ومتطلبات الحياة وتوتر كل يوم من غير إجهاد. 
 حين نكون حاضرين، متجذرين، هادئين، متصلين مع محيطنا، فذلك يعني أننا في نافذة تحمّلنا، نافذة التحمّل هي حالة في الجهاز العصبيّ حيث يكون كلا من جهازنا العصبيّ الودي(الجزء حيث جهازنا العصبي مسؤول عن تحفيزنا لاتخاذ خطوات والتحرك) وجهازنا العصبيّ اللاودي(الجزء من جهازنا العصبيّ المسؤول عن راحتنا) يعملون سوياً في انسجام. مع ذلك إذا واجهنا توتراً أكثر مما نستطيع التعامل معه، نخرج من نافذة التحمّل ونصبح غير منظمين وندخل في حالة الجسد المتوتر، حين نكون غير منظمين من الممكن أن نصبح إما في حالة ركود أو حالة تأهب. 
حالة الركود (hypoarousal) 
معظم الاشخاص يفكرون بالتوتر ويربطونه مع استجابة القتال/الهرب مع ذلك من الممكن أن يستجيب جسدنا للقلق والتوتر بأن يصبح في حالة الركود، إذا واجهت الكثير من التوتر أو الشحنات في جسمك فإن جهازك العصبي يحميك من الارتباك والمشاعر الغامرة عن طريق الإنغلاق تمامًا.
حالة الركود تحدث على مستويات، أحدهم من الممكن أن يخوض تجربة خفيفة من الشعور بالتشوش، الانفصال، التعب أو من الممكن أن يكون في استجابة التجمد (بسبب كثرة التعبئة لا يستطيع التحرك) كما قد يحدث في سياق الصدمة الشديدة. 
الصفات المشاعرية والجسدية التي تدلّك على أنك في حالة ركود: 
-انخفاض في الطاقة.
-إدمان الأجهزة.
-النعاس والتعب.
-الانغلاق.
-فقدان الاحساس.
-تشوش وقلة تركيز.
-اكتئاب.
-عدم انتظام ضربات القلب. 
-تنفس قصير وغير منتظم. 
-مشاكل في الجهاز الهضمي.
-إفراط أو نقص في نشاط الجهاز المناعي.
-حساسية للبرودة.
الفائدة من حالة الركود: 
نحن تبنّينا هذه الاستجابة لسببان، أولاً هو أنها تُمكّننا أن (نكون أموات) في مواجهة الخطر، على سبيل المثال: إذا قابلت دُبة مع أشبالها في الغابة وهي شعرت بالتهديد من حضورك وقد تفترض أنك تمثل خطراً، إذا بدأت بالهرب منها وأمسكت بك من الممكن أن يغمى عليك نتيجة لذلك، حينها قد تتوقف الدبة عن رؤيتك كتهديد بعد الآن وقد تتركك وشأنك. 
السبب الآخر الذي جعلنا نطور هذه السمة هي لحمايتنا من معايشة المزيد من الألم والصدمات أكثر مما يُمكننا تحمله، إذا كنت في نزهة مشياً على الأقدام وسقطت من هاوية، حالة الركود ستدفعك للداخل لحمايتك. إذا كانت الهاوية ليست مرتفعة للغاية من الممكن أنك فقط ستفقد وعيك للحظة إلى حين معرفة جسمك أن كل شي آمن من جديد، مع ذلك إذا كانت الهاوية مرتفعة فأنت على الأغلب سيغمى عليك؛ وذلك حتى لا تختبر الخوف الذي قد يرافق الحدث بأكمله، في هذه الحالة إذا نجوت لن يكون عليك التعامل مع مقدار الخوف كما لو أنك عشت الحدث بأكمله وستكون أكثر قدرة على اخراج نفسك من هناك.
ورغم أن الركود إستراتجية حماية ذكية تطورت لمساعدتنا على النجاة في البرية إلا أنها لا تخدمنا في العصر الحديث؛ لأننا لم نعد نواجه دببة أو هاويات كما نواجه الآن فواتير ومدراء لذلك من الممكن أن تتولى حالة الركود القيادة في أوقات غير مناسبة، مثل شعورنا بالارتباك الغامر من مشروع ما، من الممكن أن توقفنا حالة الركود تماماً وتجعلنا غير قادرين على العمل عليه أو إذا كان عليك إقامة اجتماع مع مديرك، هنا قد تمنعك حالة الانفصال من امتلاك الطاقة أو الحافز للتحدث إليه. 
وحتى رغم أن حالة الركود غير ملائمة لعصرنا الحديث من المهم تذكر أن كل ما تحاول هذه الحالة القيام به هو مساعدتنا، حين نمتلك هذا الفهم يصبح من السهل علينا أن نكون ألطف مع أنفسنا وأن نقوم بالرعاية والعناية اللائقة التي نحتاجها لنوسع نافذة التحمل الخاصة بنا.
حالة التأهب (hyperarousal) 
حين نكون في حالة التأهب فهذا يعني أن جهازنا العصبيّ الودي يتفعل لتهيئتنا للتعامل مع الخطر إما من خلال مواجهته أو الهرب منه وحتى تتمكن من تميز إذا كنت في حالة التأهب إليك الأعراض المشاعرية والجسدية التي تدلك على ذلك:  
-الهلع والخوف.
-القلق والتوتر.
-اندفاعية.
-طاقة عالية.
-الغضب والانفعال. 
-تصرفات متهورة. 
-ضغط دم عالي.
-نبضات قلب سريعة.
-معدلات عالية من الكرسترول والأدرينالين. 
-أنفاس سطحية وسريعة. 
-شد عضلي. 
الفائدة من حالة التأهب: 
معظم الناس يدركون الفائدة المتعلقة في استجابة القتال والهرب، انها تسمح لنا بقتال التهديد أو الهروب منه، إذا كنا نتعامل مع تهديد مباشر فالاستجابة مفيدة للغاية، حينما يطاردك حيوان في الغابة أو تعرضك للسرقة في الشارع، حالة التأهب تمنحك الطاقة التي تحتاجها للخروج من الموقف على قيد الحياة.
في البرية حين يواجه حيوان تهديد بالخطر يصبح في حالة تأهب وهناك أمر يحدث في غاية الأهمية بعد ذلك، دعنا نقول أن هناك غزال في السافانا الأفريقية تم مطاردتها من قبل أسد ولكن استطاعت النجاة، في اللحظة التي تكون بها بأمان تقوم بنفض اهتياج هذه الطاقة خارجها حرفياً، عبر تحريك جسدها بقوة حتى تفرغ كل الطاقة التي تم بنائها في حالة التأهب. حيوانات أخرى تقوم بذلك أيضاً. السناجيب والطيور سيصرخون ويصدروا أصواتا، العديد من الحيوانات يخرجونها من خلال الركض وهكذا دواليك. حتى الكلاب تقوم بذلك من خلال نفض أنفسهم، النباح، والركض ليخرجوا الطاقة الزائدة حين يشعروا بالتوتر. 
البشر بحاجة للقيام بذلك ايضاً. في كل ثقافة أصلية حول العالم هناك ممارسات ضمن ثقافتهم تساعد في تفريغ هذه الطاقة سواء كان ذلك من خلال الأهازيج، الغناء، الرقص، قرع الطبول. هذه العادات الثقافيّة مهمة لتحرير الطاقة وللخروج من حالة التأهب والعودة لنافذة التحمّل.
حالة التأهب من الصعب تجنّبها في عصرنا الحالي وذلك لعدة اسباب، الضغط الذي نواجهه اليوم هو مباشر بشكل أقل وأكثر على المدى الطويل فبدلاً من أن تتم مطاردتك من قبل حيوان، عليك أن تؤدي دائماً بشكل جيد في العمل وأن تحرص على دفع الكثير من الفواتير في موعدها وأجسامنا ليست مصممة للتعامل مع هذا النوع من الضغوطات ولذلك حالة التأهب تتفعل لحمايتنا حين نواجه الضغط ولكن ليس هنالك ما نُقاتله أو نهرب بعيداً عنه 
وحين يحدث ذلك من السهل أن نعلق في حالة التأهب وتصبح شحنات التأهب عالقة بداخلنا من دون منفذ للتفريغ واكمال عملية التأقلم الطبيعية للجسم لهذا السبب علينا أن نكوّن المساحة لتحريك حالة التأهب وتفريغ شحناتها.
كم تبلغ سعة نافذة تحمّلك؟
إذا كنا نتحدث بشكل مثالي، أنت تمتلك نافذة تحمّل كبيرة، والذي قد يعنيه هذا أن لديك سعة هائلة لتحمل الضغوطات القادمة. مع ذلك، للعديد من الناس الذين يلجئون للرعاية النفسية أو خدمات العلاج النفسي ذلك ببساطة لا ينطبق عليهم.
الاشخاص الذين نشأوا في بيئة صادمة، حيث كانوا يتعرضون فيها لوابل من الصدمات غالباً لم تكن لديهم الفرصة حتى يطوروا نافذة تحمل.
الاشخاص المتباينين الأعصاب، مثل المصابين بالوسواس القهري أو اضطرابات فرط الحركة والانتباه وطيف التوحد غالباً لديهم نافذة تحمل ضيقة وذلك بسبب مجموعة من العوامل: الأعصاب الضعيفة، جهاز مُجهد يزيد من معدل تعرضهم للاذى، عيش حياة سلبية وأكثر حين يختبر اضطراب ما بعد الصدمة أو امتلاك اضطرابات الشخصية المبنية على الصدمة إذاً فنحن نمتلك نافذة تحمل ضيقة ( من جديد، كانت طريقة تكيف في مرحلة معينة للجسم أن يبقى في حالة تأهب، ويتطلب الأمر الكثير من الامان وتوفير احتمالات مختلفة لإعادة كتابة برمجة جديدة للجسم) 
لذا إذا كنت تشعر أنه من السهل عليك أن تصبح متوتراً وفزعاً أكثر من اصدقائك، رفقائك، زملائك في العمل، من الممكن أن يعتمد ذلك على جهازك العصبيّ وليس مرتبط بشيء أنت لديك سيطرة واعية عليه، ومن الممكن أن يكون مفيداً فهم ذلك لانه يجعلك أكثّر تعاطفا مع نفسك، ونافذة تحملنا هي أمر من الممكن لنا تحسينه وتوسعته بعمل وممارسات واعية.
إذا كنت تبحث عن الإرشاد وتوسعة نافذة تحملك، أوصي بالقيام بعمل مستمر على الجهاز العصبي وتعلم كيف تتبعه وتفحص حالته. المراقبة هي أفضل أداة يمكننا استخدامها حتى نتعلم كيف نمدد ونوسع من سعتنا النفسية. حين نراقب ونلاحظ جسدنا بشكل مستمر سنكون قادرين على ملاحظة الأنماط وذلك سيساعدنا على التشافي والنمو. حين نتمكن من تحديد حالتنا ومكاننا في جهازنا العصبيّ نكون أكثر قدرة على التدخل.
على سبيل المثال، حين أكون قادراً على تعريف أن نبضات قلبي تتسارع وأنني أعايش الآن طاقة قلق وارتباك، سأعلم أنني ادخل في حالة تأهب وفي هذه اللحظة آخذ عدة انفاس مُهدئة وربما عدة خطوات لتحريك بعضاً من الطاقة الزائدة تساعد في تنظيم جهازيّ العصبيّ لمساعدتي في العودة إلى نافذة تحملي. أو إذا بدأت بالشعور بالتشوش والانفصال من الممكن أن أختار الخروج للخارج للتحرك بسرعة في الهواء الطلق والذي هو تمرين لإعادة التنظيم.
حين تبدأ في تعلم كيف تتبع جهازك العصبي أوصي بالقيام بالتفقد أو الفحص بشكل مستمر. على الأقل مرة أو مرتين في اليوم لشهر على الأقل، حين تقوم بذلك ، خذ نفس عميق، افحص حالة جسمك، وسجل ملاحظات عن حالتك، النفسية، المشاعرية، الجسدية، ثم قارنهم مع الصفات السابقة وأيًّا منهم يندرج تحت حالة التأهب وتعايشه الآن؟ أو أيًّا منهم يندرج تحت حالة الركود وأنت تشعر به الان؟ أي حالة تختبرها بشكل متكرر عن الأخرى؟ يمكنك القيام بذلك في أوقات مختلفة في كل يوم حين تكون في أماكن أو أنشطة معينة.
طريقة أخرى يمكنك من خلالها مراقبة حالة نافذة تحملك هي من خلال متابعة تقلب معدل نبضات القلب، كلما كانت أعلى كلما كان من الأفضل التأقلم مع تحديات الحياة، لذا كلما كانت أعلى كلما اتسعت نافذة تحملنا.
تعلمنا عن هذه الحالات مهم كخطوة أولى لتوسعة نافذة تحمّلنا، من خلال عمل متابعة مستمرة لفترة طويلة، سنتمكن من رؤية الأنماط في جهازنا العصبيّ وحين نفهم الأنماط سنتعلم كيف نمنح جسدنا الشي الذي يحتاجه حتى يُنظم نفسه.