التأمل مفتاح وعي الذات والوعي باب النموّ
الأربعاء، ٣٠ سبتمبر ٢٠٢٠
عن التأمل
رشا صبّاغ من فريق مانا باي أس
التأمّل ليس مذهباً أو انتماءً لفكر أو إيديولوجية، ولا يخص شعباً أو جماعةً. التأمّل هو طريقة الإنسان للتعرّف على نفسه.
انطلاقاً من السؤال: لماذا التعرّف على النفس، وما علاقة التأمّل بذلك؟ يمكننا القول ببساطة أن التأمّل هو حالة من الهدوء تسمح لنا بمراقبة أفكارنا، لتصفية وإعادة ترتيب الضجيج الناتج عن تزاحم وتضارب الأفكار التي تجول في عقولنا وتسيطر علينا. ويتخلل حالة الهدوء هذه، تركيز على النفس، يساعدنا في الخروج من الحالة الذهنية المرتبطة إما بالماضي أو المستقبل، واستبدالها باللحظة الحالية، والانغماس بشكل تام بالحاضر. وذلك من خلال عملية التنفّس العميق اللطيف المتناغم بين الشهيق والزفير، التي تتباطأ بفضلها دقّات القلْب، فتسمح للجهاز العصبي بالاسترخاء والخروج من حالة الفعل الدائر.
وهنا يمكننا السؤال: هل يسمى أي تركيز على اللحظة الحالية تأملّاً، مثلما يحدث في النشاط التأمّلي المرتبط كمثالٍ بالرسم أو التلوين أو العزف على آلة موسيقية؟
نعم، ولكن ما يفرّق التأمّل عن النشاطات التأملية، هو أن التأمّل قرارٌ واعٍ بتوجيه البحث والسعي إلى الحقيقة بداخلنا. ويشمل هذا الوعيُ نيّةَ الدخول في حالة التأمّل النابعة من رغبةٍ واضحةٍ بالنموّ أو السعي للتعرّف على النفس، بغضّ النظر عن النتائج التي قد نحصل عليها خلال بدايتنا بجلسات التأمّل، وما يميّز هذه الرغبة هو الخطوة الجدّية التي نتخذها باتجاه أنفسنا، والتي من شأنها أن تطوّرَنا وتنمّينا.
وحيث أن رحلة إدراك الذات داخلية، فالتأمّل هو المكان الوحيد الذي نغمض فيه أعيننا لنرى، وهنا يأتي السؤال كذلك، ماذا سنرى، وهل ما سنراه يستحق زيارة داخلنا؟
بعودتنا للفكرة الأساسية المتعلقة بالتعرّف على النفس، يمكننا القول أن التعرّف على النفس يشبه إلى حد كبير التعرّف على شخص نريد الارتباط به، فنبدأ بالسؤال عن ما يحبّ أو ما لا يحبّ، عن التجارب التي صنعته والتجارب التي كسرته، عن طفولته وعن أحلامه وعن معتقداته. قد تتطور الأمور لنسأل في لقائنا الثاني عن مخاوفه، أو عن أصعب اللحظات التي مرّ بها، وهنا تبدأ الشفافية بفرد أعماق جديدة لهذه العلاقة التي نقوم ببنائها مع هذا الشخص الذي نريد أن نشاركه وقتنا وحياتنا. بهذا النوع من الشفافية والصراحة والتطلّع للمعرفة في الحديث مع الشخص الذي هو نفسُنا، تبدأ أحكامُنا المسبقةُ بالسقوط واحدةً تلو الأخرى، وإن تراءى لنا الجوهر فستسقط كل الأغلفة.
بهذه الطريقة، في سعينا للتعرف على ذواتنا بالتأمّل، وفهم مشاعرنا ومخاوفنا واسترجاع تجاربنا، يتجلّى الجوهر الذي يميّزنا، الجوهر غير المتعلّق بتربيتنا، أو بأفكار مجتمعنا، أو بما تبرمج بداخلنا، أو بما قيل لنا، الجوهر الذي نريد أن نقضي بقيّة حياتنا معه.
في تأمّلاتنا مع أنفسنا ستظهر لنا التساؤلات التي لم يكن باستطاعتنا استخلاصها، لازدحام الأفكار وتضاربها بداخلنا وتأثيرها على مشاعرنا. وعندما نخرج من حالة الفعل أو ردة الفعل الدائمة، ستبدأ معالم الطريق بالترائي لنا، وستبدأ الإجابات الحقيقية بالظهور أمامنا.
هكذا، بفعل أداة التعرّف على عوالمنا الداخلية، التأمّل، نكتشف أهمية هذا التعرّف على أنفسنا، ونطرح التساؤل: إن لم نعرف أنفسنا، كيف لأيّ أحدٍ أن يعرفَنا؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ