الحدود التي تفتح الدروب
الجمعة، ٨ أكتوبر ٢٠٢١
عن الحياة
حنان الشهري - ترجمة أسيل مدني
إن كان هناك صفة أساسية تدّل على حب الذات فستكون (وضع الحدود) لأنها تبني حاجزا قويًا بينك وبين هُراء الناس.
لاأعلم إن كنتِ تعرفين ما سأقوله لكِ أو كنتِ تردّدينه على نفسك لكن دعيني أؤكد لك، أنتِ لستِ مسؤولة عن تحسين حياة أي شخص ولستِ بحاجة أن تلعبي دورة البطلة وتنقذي شخصًا ما يعجزعن إنقاذ نفسه وأختار بنفسه ألّا يكون بطل روايته، أنت بغنى عن دراما الآخرين أو أن تخوضي معارك لا تضيف أيّ معنى إلى حياتك.
انسحبي من العلاقات والنقاشات التي تستنزف طاقتك. إن كان هناك شخص لا تتفقين معه وقد شعرتِ أنه يخدع نفسه ويخدعك لا تهدري طاقتك معه. قولي الحقيقة واطلقي العنان لروحك وعبّري عمّا تراه عينيك ويشعر به قلبك، قولي "لا" إن كان الأمر مرفوض لك ولايتناسب مع قِيمك، واجهي الأشخاص بتصرفاتهم التي تزعجك. لأنه كلما زاد الصدق والوضوح في مُحادثاتك وعلاقاتك، أنت بذلك تؤكدين قيمة نفسك وتوّضحين لها وللعالم وللكون ماهيّة قيَمك وجودة علاقاتك التي ترغبين باستمرارها في حياتك.
من الضروري جدًا وضع الحدود وحماية مساحتك الخاصة لأنه من السهل جدًا الرجوع للعادات القديمة و نمط السلوكيات الذاتية المُدّمرة التي اعتدتِ عليها سابقًا.
انظري للأمر بهذه الطريقة فلتكن الحواجز التي تبنيها من حولك سياجًا مقدّسًا يحرس رغباتك وقِيمك لأننا لا نعيش في عالم مثالي وليس الجميع بنفس درجات الوعي والصدق.
تأكدّي أنّك هنا في هذا العالم لهدف سامي ، فلتحيطي نفسك بالأشخاص الذين يدعمون رحلتك ومهمتك لتحقيق أحلامك، ولا تضيعين وقتك على اللذين يشككون في قدراتك ويقللّون من عزيمتك.
لقد كبرنا ولم يعلمنا أحد أهمية الاهتمام بالذات و وضع الحدود بل تعلمنا أنه يجب علينا العمل بجد واجتهاد لإنجاز أعمال ولو كان ذلك على حساب أنفسنا، لنصل بعدها إلى مرحلة استنزاف نفسي وطاقي بسبب إهمالنا لأنفسنا لنصبح تائهين لا نعرف طريق العودة لأنفسنا ولا نعرف كيف نهتم بها أساسًا، فندخل بعدها في دوامة مظلمة يَصعُب الخروج منها.
وما أصعب أن تعود إلى نفسك بعد أن خسرتها وأنت تراعي الآخرين وتهتم لهم وتهَبهم كل مالديك دون أن تأخذ مساحة لنفسك.
لقد مررت بمرحلة استنزاف نفسي في الأسبوع الماضي، وأدركت أنّي لن أتمكن من إعطاء انتباهي ووقتي للآخرين أو حتى لنفسي، إن لم أخصص وقتًا لنفسي فأستعيد به قوتي ونشاط قلبي، وأُداري فيه روحي.
إن لم أعطي أولوية لمساحتي الخاصة بعيدًا عن كل شيء كالعمل وهاتفي الجوال وأعمال المنزل وزوجي، ستتدهور صحتي تدريجيًا وسأفقد توازني واتصالي بحقيقتي.
بالمناسبة أنا وزوجي شركاء عمل، لذا فنحن نقضي معظم أوقاتنا معًا ولكني لا أستطيع أن أقضي معه كل وقتي، طبعًا أنا أحبه كثيرًا لكن أن تقضي كامل وقتك مع شخص واحد على مدار سنتين بما في ذلك فترة الحجر المنزلي كان أمرًا صعباً بغض النظر عن كمية الحب الذي بينكما، ففي ظل هذه الأحوال الاستثنائية يتوجب علي قضاء وقت بمفردي حتى أتمكن من الإستماع لصوتي الداخلي وأحدّد احتياجاتي وأعرف رغباتي ومشاعري وما الذي أودّ التنفيس عنه في تلك اللحظة.
وقد لاحظت في السنوات الأخيرة الماضية أنّ أعظم الأفكار تراودني حين أكون بمفردي فلهذه المساحة الشخصية أثر كبير على طاقتي و إبداعي وإيجاد الالهام في حياتي.
أنا وزوجي كلانا لا يتنازل عن مساحته ووقته الخاص الذي نحتاجه يوميًا لنبني أسس صحيّة ونحافظ على ديناميكية متوازنة تمكّننا من الاستمرار في هذه العلاقة وتضيف معنى لحياتنا كزوجين وكأفراد.
ولاحظت الفرق بعد التزامنا بهذا الروتين اليومي الذي يقوم على احترام كلا منّا لمساحة الآخر. وبهذا أصبحت أكثر حضورًا وعطاءً ومساندة لزوجي وأصدقائي وعائلتي وجميع أحبائي وكل من حولي ومجتمعي.
من المهم جدًا أن تكون لكِ تلك المساحة الخاصة التي تشفي الروح.
ليس عليكِ سوى تخصيص بعضًا من الوقت لنفسك لتقضينه كما تشائين دون اطلاق أيّ أحكام على نفسك.
ضعي حدّا بينك وبين الآخرين، قومي بجولة مشي أواشربي الشاي الذي تفضلينه أوخذي حمامًا دافئا، اكتبي قائمة بالأنشطة التي تغذّي روحك وقلبك وتجدد طاقتك واحرصي على ممارسة نشاط واحد يعززعلاقتك بنفسك كل يوم في هذا الاسبوع ، سيشكرك جسدك وقلبك وروحك وكل أحبائك على ذلك.
لنبدأ بهذا التمرين معًا وندوّن قائمة من نقاطٍ بسيطة تغذّي أرواحنا وتنمّي اهتمامنا بذواتنا، وتشحن طاقتنا لكي نستطيع أن نقابل العالم الخارجي باتزان وانشراح.
هذه قائمتي:
طقوس الصباح :
أشرب ماءً ساخنًا على الريق ، وأعزز اتصالي بمنزلي وألقي التحية عليه، وافتح النوافذ
لأحتضن البيئة التي كونتها لنفسي فهذه العادة اليومية تساعدني على التجذّر.
الاتصال بالطبيعة:
يهمّني جدًا أن أقف على الارض حافية القدمين لأشعر باتصالي الحقيقي بالأرض إمّا في فناء المنزل أو في حديقة الحيّ أو الممشى أو على الشاطئ في أحضان الطبيعة.
الحركة :
أجسامنا خُلقت للحركة، وكما اعتدنا أن نقول (في الحركة بركة) فأنا أحرص يوميًا على الحركة بشتى أشكالها وأنواعها، إمّا بالذهاب في نزهة لتسلق الجبال أوالتمدد على بساط اليوغا أو الرقص في غرفة المعيشة؛ فإن تحرّك الجسد تنساب معه حركة الروح.
مساحة آمنة للتفريغ :
أن يكون لدّي مساحة آمنة لأبكي وأعبّر عن غضبي وحزني وفرحي وأكون بكامل روحانيتي. سأتمّكن عبر هذه المساحة أن أستوعب مشاعري وأسمح لها أن ترى النور بأريحية إمّا بتدوينها في دفتري أو مشاركتها مع إحدى صديقاتي أومع زوجي أومع أخصائي نفسي. كل ما أحتاجه هو الإنصات، وأن أُمنح هذه المساحة الخالية من الأحكام كما أمنحها للآخرين.
قضاء الوقت بمفردي:
أحتاج بضعة دقائق يوميًا لنفسي دون تشتت من الآخرين أو تلبية رغباتهم ليكون تركيزي فقط على نفسي في تلك اللحظة؛ فأستجمع أفكاري واستشعر تجذّر قدماي على الأرض.
قد تتغير قائمتي هذه من يومٍ لآخر، ولكن هدفها ثابت وهو أن أتواصل مع نفسي بعمق وأحتضنها وأعزز تجذّرها.
في الأيام الحافلة بالتوتر إمّا بسبب الحياة أو العمل، أحتاج وقتًا اكثر مع ذاتي لأطمئن على نفسي وأُحادثها وأراجع احتياجاتها. في بعض الأحيان قد تساعدني جولة خارج
المنزل، وفي أحيان أخرى يُحرّر التأمّل مشاعري ويسمح لها بالخروج على السطح فتنهمر دموعي وأتمكّن من البكاء، وفي بعض الأيام اضطر أن أتوقف عن جميع الأعمال وأترك كلّ ما بيدي للحظات حتى أعود إلى نفسي؛ هكذا أعيش أيامي وأحقق ذاتي، فهذه الطقوس والعادات تقوي علاقتي بنفسي وتساعدني على استرجاع ما نفذ من مخزون طاقتي لأشعر بعدها بالرضا والتوازن.
أخبريني ما هي الأمور التي لا تتنازلين عنها؟ كيف تشعلين شرارة روحك إن أوشكت على الانطفاء؟ كيف تجددين طاقتك؟
اكتبي قائمة لعاداتك الخاصة في الأسفل والتقطي صورة لها وذكرّي نفسك بها دائمًا.
كتابة حنان الشهري
ترجمة أسيل مدني