في عالم اليوغا، نكتشف أن هناك أكثر من منظور للجسم، منها المنظور الملموس أو الجسد، والمنظور غير الملموس المتعلق بالطاقة، والمنظور المتعلق بالمشاعر. كما نكتشف أن هناك علاقة مباشرة تربط بين هذه المناظير، وأن كل منظور يؤثر بشكل مباشر على الآخر.

المنظور الطاقي يتعلق بحركة وكيفية توزيع الطاقة داخل جسدنا، حيث أن الطاقة كما كشفت قوانين الفيزياء لا تفنى ولا تنقص ولا تزيد. الطاقة تتحرّك وتتدفق. بمعنى آخر عندما نقول أن طاقتنا قليلة أو مستنزفة فإن السبب يكمن في أن الطاقة لا تتحرك داخل جسدنا بشكل صحي، ربّما بسبب الإرهاق الذي ينتاب بعض أعضاء الجسم، ولهذا نقوم بالاسترخاء كي نسمح لأعضاء الجسم أن ترتخي، لتسمح للطاقة أن تتحرك بشكل سلس داخل الجسم. وتدفّقُ الطاقة داخل الجسم بشكل سلس وصحي مهم جداً لتشافي أعضاء الجسم في المنظور الجسدي، وعلى سبيل المثال: إن كان هناك انسداد في إحدى مجاري أو مراكز الطاقة بالجسم، فسينتج عنه مرض أو إلتهاب في الجسم، وإحدى أكثر المناطق التي تتأثر بشكل واضح هي منطقة الحنجرة والحلق. وفي شرح السببب بإمكاننا تفسير العلاقة بين المنظورين الجسدي والطاقي والمنظور المتعلق بالمشاعر.

ما لم يعلّمنا اياه أحد في تربيتنا هو كيفيّة وأهمية التعبير عن المشاعر والتعبير بشكل عام، وكثيراً ما نجد أنفسنا في مواقف لا يسعنا التعبير بها عن مشاعرنا، وهذا النوع من الكبت المتصل مباشرة بالحنجرة التي تمنحنا قدرتنا على التعبير بشكل مسموع، يسبب انسداداً في مركز الطاقة المتواجد في هذه المنطقة مما يسبب التهابات الحلق الشائعة.

ومن ناحية أخرى غير ظاهرة ولها أثر تراكمي على الصحّة إن لم يتمّ التشافي منها، الصدماتُ الناتجة عن المواقف المؤلمة والمفاجئة التي لم نكن مهيئين لها، مثل حادث سيارة، خيانة شريك، فقدان عزيز، تحرّش جنسي، كلام مجرِّح، بالإضافة إلى العديد من المواقف اليومية التي نمرّ بها في العمل وفي حياتنا اليومية، والتي ليست بالضرورة بحجم ما ذكر من صدمات، ولكنها مازالت تعتبر صدمات من منظور الجسم لأنها ولّدت لدينا نفس المشاعر المتعلقة بما ذكر ولو كانت أقل حدةً. بعض هذه المشاعر التي تتشاركها الصدمات بغض النظر عن حجمها والتي لها تأثير سلبيّ على صحة الإنسان هي، الغضب، النكران، العار، الخذلان، الغيرة، الشعور بالنقص، كره النفس والكثير من المشاعر السلبية الأخرى والمتعلقة بطفولتنا وبما اضطررنا للتأقلم معه عند حدوث الصدمة، أو ما قلناه لأنفسنا أو قيل لنا عند حدوث الصدمة، بالإضافة للسلوكيات التي نتجت عن هذه الصدمات. سنتكلم في مدوّنات أخرى عن أصول هذه المشاعر وجذورها، ونركّز في هذه المدوّنة على تأثير هذه الصّدمات على صحتنا.

قد لا نعرف أن الجسم يقوم بالاحتفاظ بالصدمات الناتجة عن المواقف المؤلمة أو المفجعة في مناطق وأعضاء معينة، لكننا نكتشف خلال ممارسة اليوغا، أن الكثير من المشاعر المختلفة تزورنا، وتتعلق بهذه الصدمات. الحركات التي نمارسها في اليوغا هي ليست في الحقيقة مجرّد حركات رياضية، لأن حركات اليوغا تركّز على تمدّد وإطالة ما يسمى بالفاشا، وهو النسيج الضام تحت الجلد الذي يربط ويفصل ويحيط العضلات والأعضاء الداخلية الأخرى للجسم. وصحة نسيج الفاشا مهمةٌ جداً للتشافي الجسدي، لأن مرونة العضلات المتأتية من ممارسة اليوغا تساعد هذا النسيج على التشافي، مما يسمح للطاقة أن تتدفق بشكل صحي في الجسم، ويساعد على التشافي من الصدمات في المنظور الجسدي، ولا يخفي هذا التشافي في المنظور الجسدي حقيقة أن بعض الصدمات العميقة تتطلب العمل عليها مع المختصين في المنظور النفسي، والمتعلّق مباشرة بهذه الصدمات وما نتج عنها من سلوكيات تجاه النفس.

عندما نبدأ باستيعاب العلاقة بين الجسم والمشاعر وحركة الطاقة بداخلنا سيصبح بإمكاننا تكوين مفهومٍ جديد للصحة والعافية. مفهومٍ مبنيّ على تجانس هذه العلاقة والمحافظة على صحة مكوناتها. ومن هذا المنطلق بإمكاننا أيضاً أن نبدأ بالتعامل مع مشاعرنا بنيّة التشافي، من خلال تفهّم مشاعرنا وجذورها لا كبتها، حيث أننا مهما حاولنا تجاهل المشاعر السلبية بداخلنا فإنها ستعود لتظهر في حياتنا بطرق مختلفة تؤثر علينا اجتماعياً ونفسياً وصحياً.

لهذا ترتبط اليوغا بالتشافي على الصعيد النفسي والجسدي، ليس فقط لفوائدها الجسدية، بل أيضاً لفوائدها المتعلقة بتدفق الطاقة بداخلنا، والتعرّف على أنفسنا ومواجهة ألمنا؛ وسواء كان هذا الألم جسدياً أو نفسيّاً، فكل هذه العوامل متصلة وكل المفاتيح موجودة بداخلنا.

في المرة القادمة التي ستمارس فيها اليوغا أو التأمل تذكّر أنْ تراقب هذه العلاقة بداخلك.

في كل وضعيّة صعبة أو غير مريحة تذكّر أنك تكوّن المساحة لتدفّق الطاقة بداخلك، مما يساعد جسمك على التشافي.

اسأل جسمك عن الإجابات التي تبحث عنها، ثم راقب أفكارك ومشاعرك، اسمح للأفكار أن تمرّ مرور السيارات العابرة وكأنك تراقبها من شرفتك. إن كانت لديك مشاعر أو ذكريات ثقيلة، اسمح لجسمك بالتعبير عنها كما يريد، فالجسم أعلم بتشافيه وكل ما عليك أن تقوم به هو أن تسمح له بالتعبير من دون أن تحكم على نفسك أو على الطريقة التي يريد جسمك التعبير بها.

وتذكّر أنّ سمة هذه العلاقة هي اللطف، فكن لطيفاً مع نفسك بكلّ حالاتك؛ وسواءً كانت حالتك الذهنية سلبية أو إيجابية، دع اللطف مع النفس يكون المحرّكَ للعلاقة التي ستبنيها مع نفسك ومع جسدك بتفهّم وانفتاح لكل هذه العوالم الكامنة بداخلك.

الكاتب: هيثم الشيخ عطية

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ