كل ما ترغبين به يبدأ بحبك لذاتك

حنان الشهري

ماهو حبّ الذات ولماذا هو مهمٌ للغاية؟ ولماذا يعد صعبًا علينا أن ندرك معناه ونطبّقه على أنفسنا؟الحقيقة المرّة هي أنّكِ إن لم تروي حاجتكِ النفسية للحب، فسوف تبحثين عنه خارج نفسكِ، قد تطلبينه -بلا وعي- من شريك حياتك أو صديقتك أو طفلك أو أحد أفراد أسرتك ولكن تأكدّي أن لا أحد سيروي عطشك لحب الذات ويملئ قلبك بالحب الذي تفتقدينه.

أن تُفتشي عن (حب الذات) لدى الآخرين هو كأن تربطي قيمتكِ بهم، فتشعرين بقيمة ذاتك فقط حين يبادلونك الحب وتفقدينها إن لم تحظي بحب أو تقديرٍ منهم. هل تَرين الخلل في ذلك وهل تدركين مستوى التدمير الذاتي كونك تسعين لنيل مطالبك النفسية من الخارج؟

حب الذات يتطلب منّا أن نُبحَر في ذواتنا ونغوص في أعماقها ونراجع خياراتنا وتصرّفاتنا وسلوكيّاتنا الفردية والإجتماعية لنجد السبب الذي يدفعنا لطلب الحب من الآخرين.
فلنتواصل مع دواخلنا، ولنبحث عمّا إذا كان بداخلنا مشاعر دفينة من الإحباط أو اليأس أوالحزن أو الألم، ولنسمح لأنفسنا بمواجهتها والشعور بها حتى نتمّكن من المضي قدمًا والتحرر منها بدلًا من تجاهلها ودفنها أملًا منّا أن شخصًا ما سينقذنا ويغرّقنا بحبه الذي سيشفي جراحنا.

هناك مقولة جميلة تقول: كل إنسان يقتلع أشواكه بيده. وهذا صحيح بوجهة نظري فليس من المعقول أن نتوّقع من الآخرين إشفاء جراحنا ولكن يمكننا أن نطلب من الأشخاص المقرّبين لنا أن يمدونا بالدعم ويمنحونا المساحة الآمنة أثناء قيامنا بفتح جروحنا لنفهمها وننظفها ومن ثم نقطبها بتعاطفنا مع أنفسنا، وإدراكنا أن بإمكاننا إيجاد المعنى حتى في الألم، لكي نفسح المجال للتشافي والنمو. 
وفي نهاية الأمر نحن دائماً في حالة تطوّر مستمر لأننا جزء من المنظومة الكونية التي لا تتوقف عن التوسع والتطوّر. لهذا السبب جراحنا وتجاربنا المؤلمة لا تمثّل حقيقتنا، فهي أيضاً جزء من منظومة نموّنا وكيفية تعاملنا مع هذه الآلام تحدد الأسلوب الذي نختار به أن نصنع الحياة (أو أن ندمّرها). ومثلما نتعامل مع مختلف جوانب حياتنا التي نرغب في تحسينها، إن وجدنا أن هذا الجزء المتعلق بحب الذات يشكّل إشارة إستفهام في حياتنا، فلماذا لا نسلط الضوء على هذه المشكلة ونتحرى عن الطرق التي بإمكاننا من خلالها أن نساعد أنفسنا.

بعبارة أخرى ما هي الخطوات التي يجب أن نتخّذها لنعوّض أنفسنا عن الحب الذي نطلبه من محيطنا؟ هذه الأسئلة ستنير وعينا وستسمح لنا بمراقبة سلوكياتنا بدقة أكثر، وبهذا الإدراك ستتغيّر تدريجيًا طريقتنا في البحث عن الحب وسنفهم الأسباب والجذور التي كنّا نجهلها.
من دون الوعي والإدراك للأسباب التي تجعلنا نطلب الحب من الخارج، سنجد أنفسنا نلجأ أيضاً للأمور المادية مثل المال أو الطعام لتعويض ما نفتقده بداخلنا من حب لأنفسنا.
إن لم نبحر في دواخلنا لاكتشاف أسباب سلوكياتنا وأثرها على حياتنا لن نتمكن من الإتصال بمصدر الحب الكوني الذي يكمن بداخلنا. 

إن كنتِ تلجئين للآخرين باستمرار للحصول على الحب أو إن شعرتِ أن قيمتك وتقديرك لنفسك متصلٌ بمدى رضى الناس عليكِ، فلعل الآن هو الوقت المناسب لكي تأخذي خطوة إلى الخلف لتراجعي نفسك وتقضي وقتاً أكثر في التفكّر والتأمّل بينك وبين نفسك.
اطرحي على نفسك بعض الأسئلة الجوهرية: ماهي الأمور التي تستمعين بها؟ ماهي الأشياء التي لا تتنازلين عنها؟ ماهي قيَمكِ ومبادئك الأساسية؟ ماهي المعتقدات التي تبرمجت وترسّخت بداخلك وهل تتوافق كُلّها مع حقيقتكِ؟ تساءلي عن كل شي، فكلما ازداد عمق أسئلتكِ تعرفتي على نفسكِ أكثر، اجلسي بهدوء برفقة روحكِ وترّقبي الأفكار والأجوبة التي ستقرع بابك وتفاجئك.

اسمحي لنفسكِ بالشعور بكل شي سواءً كان مللٌ أو تشتت أو قلق أو غضب أو خوف أو أي شيء، ودرّبي نفسك على مراقبة مشاعرك أكثر من أن تتفاعلي معها أو تقومي بتحليلها. أعلم أن ذلك صعبًا جدًا أن يجلس المرء مع نفسه بتصالح دون هرب حقيقي أو مجازي.
لاتربطي عدم القيام بأي شي بالملل، فنحن حتى في وقت نومنا نقوم بشيء ما؛ فننام ليرمم جسدنا نفسه ويستعيد طاقته. ليكن الجلوس بصمت مع نفسكِ ترميمًا لروحك واتصالًا بجوهركِ وتمهيدًا لطريقكِ لحب الذات. أعلم أن ذلك قد يشكّل تحدّيًا قويّا، لا بأس فيكفي أن تُخصصّي بضع دقائق خلال اليوم لذلك، ولاتسمحين لأي شي كان أو أي كائن من كان أن يسلب منك تلك الدقائق أو يؤثر على تلك الطقوس المقدّسة مع ذاتك.
اسمحي لنفسكِ بالحركة بانسابية والتجربة بفضول والشعور بعمق. تعد اليوغا أداة سحرية لتتعرفين على عوالمك ومشاعرك الدفينة. قد تشعرين بمشاعر مختلفة وقت ممارستها، ستبدأ أفكارك ومشاعرك بالظهور على السطح، تعاملي معها تمامًا كما تتعاملين معها خلال التأمل أوالجلوس بصمت، راقبيها دون التفاعل معها، ركزّي على تنفسك، لتضبطين نفسك وتستعيدين إتزانك وتنظرين لها بموضوعية فتتمكّنين من طرح بعض الأسئلة على نفسك مثل:
مالذي أيقظ هذا الشعور أو هذه الذكرى؟ من صاحب هذا الصوت أو هذه الفكرة؟ كيف أُميّز صوتي من بين كل هذه الأصوات؟
راقبي كيف تتحدثين مع نفسكِ وكيف يتغير حوارك الداخلي في الوضعيات الصعبة، وجرّبي أن تحوّلي أي أحكام سلبية على نفسك إلى تفاهم وتعاطف أكبر مع نفسك. قومي بالتدوين. سأكرر.. اسمحي لنفسكِ بالشعور بمشاعرك كما هي، واكتبيها كلّها على الورقة إن كنتِ تفضّلين هذه الطريقة، حرّري نفسك، سامحي، وتقبّلي وابدأي بتغيير حوارك مع ذاتك إن تطلب الأمر؛ سيصدّق ويُطبّق عقلك ماتكتبين مع الوقت.
أنا أكتب يوميًا، فالتدوين عادتي اليومية التي تساهم في تجلّي رغباتي في الحياة، وتمكّنني من مراقبة أفكاري وتحليلها ومُراجعة معتقداتي عن ذاتي التي تأصلّت وترسّخت منذ الصغر من العائلة والمدرسة والمجتمع، فأعيد بناء مسارات عصبية داخل جسمي إثر تصحيحي لهذه المفاهيم؛ وذلك سيرفع قيمتي لذاتي وسيزيد من استقلالية أفكاري وتحررّي.
وأخيرًا وليس آخرًا.. اقضي وقتًا مع نفسك لتتعرفي على شغفك وتستكشفي أمورًا جديدة . وإن كنتِ تعرفين شغفك سابقًا، اختبري وتفكّري عمّا إذا كنتِ تعيشين بالطريقة التي تتماشى مع حقيقتك وتتوافق مع قيَمك. سيصبح حبّك لذاتك سهلا جدًا إن كنتِ تعيشين حياة حقيقية تكونين بها صادقة مع نفسكِ وتطبقيّن بها قيَمك.وفي النهاية، عيشي حياتك بانفتاح، ابصري بقلبكِ، واشعلي شرارة الفضول بداخلك بدلًا من اطلاق الأحكام، -هذا مايجسّد الإيجابية والتسامح بالنسبة لي - أن نميّز هذه الأحكام التي تطرأ على بالنا وتُصدّر من برمجات قديمة سابقة تحدّ من رؤيتنا وتمنعنا من إيجاد المعنى في التجارب الجديدة والنقاشات المثرية غير المُعتادة. تذّكري أنّنا الآن في عصرٍ يتطوّر باستمرار، فسرعان ماتتغير مفاهيمنا ومُعتقداتنا وقيَمنا، ولتعلمي أنّكِ أنتِ التي تكتبين قصّتكِ، فتخيلي معي ما أجملها من قصّةٍ لو كانت قصّة حبّك وتقديرك لذاتك.